أنت هنا

كلمة السيدة نازك رفيق الحريري - في ذكرى 14 شباط 2010

 

كلمة السيدة نازك رفيق الحريري

 في الذكرى السنوية الخامسة لاستشهاد

الرئيس الشهيد رفيق الحريري

14 شباط 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

أيّها الأحبّة،   

أشرقت شمس الرّابع عشر من شباط فاجتمعنا مجدّداً على إشراقة ذكرى لم تغب يوماً عن البال. خمس سنواتٍ يا رفيق العمر، والقلب أضناه عدّ الأيّام يمضيها وحيداً، على قارعة المعاناة منذ رحلت إلى دنيا البقاء.

خمس سنواتٍ يا رفيق الدّرب والشّوق إليك يغصّ بفيض المشاعر والحزن يخمد حيناً ثمّ يصحو جمراً يكوي الرّوح لفراق رفيق الدرب. فليت الدّهر يكفّ عن الدّوران أو يرجع في خطاه خمسة أعوام حتّى أنظرك ولو لبرهةٍ من الزّمان. لكنّ الدّهر يمضي قدماً ونمضي معه بأحزاننا وأفراحنا وبالعبر التي تولد من ذكريات الأمس.

بالأمس القريب سمعنا عبرةً على لسانك أيّها الرّئيس الشّهيد. فقبل عامٍ من الاستشهاد كنت تتحدّث عن سبل التّنمية والتّطوير في لبنان فقلت "رغم الصّعوبات وآثار الحرب التي عصفت بلبنان لمدّةٍ تزيد على خمسة عشر عاماً، أعاد اللّبنانيّون بناء وطنهم.

ومنذ جريمة اغتيالك أيّها الشهيد الغالي، واللبنانيّون يواجهون تحدياتٍ كبيرة تقف دون مواصلة بناء الوطن. ولكنّهم ما زالوا مصممين على تذليل العقبات وتحقيق أهداف تلك المسيرة ، مسيرة الإنماء والبناء التي بدأتها معهم،  وعهدنا لك أن نكمل مسيرتك كما أردت، بقيادة ابننا سعد، ومواقفه الوطنيّة الجامعة، سيراً على خطاك.

 ورغم التّجاذبات السياسيّة اجتمع اللّبنانيّون مجدّداً على ثوابتهم ، تحت لواء الدّولة وحكومة الوحدة الوطنيّة.  

نعم أيّها الرّئيس الشّهيد إنّ الأمنية التي أطلقناها عن لبنان الموحّد في الذكرى الرابعة لمولدك  تترجم اليوم في جو التّآخي والتآلف الوطنيّ. فالسّبل المفترقة التحمت معاً بإذنه تعالى تحت راية الوفاق وصون الاستقرار والسلم الأهليّ.

والشعارات التي توزّعت لحينٍ بين مؤيدٍ ومعارض عادت صوتاً واحداً هو صوت النّاس الذي ارتفع قبل خمس سنوات ليطالب بالوحدة الوطنيّة والحقيقة لأجل لبنان. إنّه الصّوت المطالب بالمحكمة لأجلك يا شهيد الوطن ولسائر شهداء الاستقلال الثّاني.

أيّها الرّئيس الشّهيد، لبنان يبقى كما عرفته، عصيّا على الشقاق ومساعي الفتن، يطوي صفحاتٍ سوداً ليكتب سطوراً بيضاً على صحف المحبّة بين الإخوة في الوطن وفي الأمّة.

وشعب لبنان الطّيب لن يخذلك يوماً، وسوف يدافع عن الحق والعدالة وعن الحريّة والسيادة. ولن يستكين قبل أن يبلغ مراده، لأنّه شعبٌ استحقّ بجدارةٍ جائزة الأمم المتّحدة التي فزت بها عن مشروع إعادة إعمار لبنان فأهديتها لجميع اللّبنانيين تكريماً لتضحياتهم.

أيّها الأحبّة،

قبل ستّة أعوام،  اعتلى الرّئيس الشـهيد رفيق الحريري منبر الأمم المتحدة وخاطب العالم بالقول: "أشعر بالفخر والاعتزاز اليوم للوقوف أمام هذا الجمهور الكريم الذي يمثل الأمم المتّحدة، هذه المنظّمة التي تمثل طموحات العالم مجتمعاً بالسّلام والأمن والتعاون.

 

ثمّ أعرب عن سـروره بتسلـّم الجائزة لأنّها كما قال: "جائزة الشّـعب اللّبناني وجميع مسـؤوليه. والأمم المتّحدة تكرم بهذه الجائزة تضحيات وتصميم شعبنا العظيم الذي تجرّأ على أن يحلم بإعادة بناء نفسه وتحقيق حلمه بالرّغم من الصعاب.

واليوم اختارت الأمم المتّحدة أن تجدد تكريم الرّئيس الشهيد بجائزةٍ تحمل اسمه: هي جائزة رفيق الحريري للمستوطنات البشريّة.

وأودّ أن أغتنم المناسبة لأشكر المنظّمة الدّوليّة على مبادرتها الكريمة وكل الجهود التي تبذلها في إطار المحكمة الخاصّة بلبنان تقديراً لرجل الدّولة الذي التزم بالمبادئ الإنسانيّة للأمم، ودافع عنها.   

أيّها الأحبّة،

شهيدنا الكبير أدرك أنّ أهمية لبنان هي رسالته في التّسامح والعيش المشترك  ليس للمنطقة فحسب بل للعالم أجمع، وأنّ رسالة لبنان أيضاً هي في حماية الديمقراطيّة الأقدم في العالم العربيّ.

رحل الرّئيس الشهيد رفيق الحريري وترك لنا رسالة أملٍ لبناء الدّولة الحديثة التي تحفظ كرامة الإنسان عبر حقه في التّعبير وفي الرّأي وفي اختيار مستقبله بأمنٍ وسلام.

فحقّه اليوم علينا أن نتمسّك بإرثه الوطني، بلبنان الحر السّيد الموحّد، بالحقيقة والعدالة، وأن نرسخ ذكراه في مستقبلٍ سيصبح تاريخاً مجيداً تقرأه الأجيال تلو الأجيال، أجيالٌ عرفته في حياته، وأخرى تعرّفت عليه بعد الشّهادة، الجيل منها يعلم الآخر ويحكي له مسيرة عطاءٍ طويلة.    

يا رفيق العمر،

أتذكّر في هذه اللّحظات، حواراً دار بيننا عن خوض المعترك السياسي. كنت أحاول أن أقنعك بأن تكمل النّهج الوطنيّ الذي اتّخذته هدفاً أساسيًّا، بعيداً عن السياسة ظنًّا أنّه الأفضل  والأجدر لخدمة الوطن . فأجبتني أنّ السياسة هي وسيلةٌ تسهل اتخاذ القرارات المناسبة.

لقد صدقت قولاً وفعلاً يا شهيدنا الغالي ، شهيد لبنان ، عندما أدركت أنّ العمل في الشّأن الوطني، يستدعي صلاحيةً سياسيّة تختصر المعوقات وتسرع إنقاذ البلد ووضعه على سكّة الأمان والاستقرار.   

أدركت الآن أيّها الرّئيس الشهيد ما أصعب أن يخدم الإنسان شعبه وبلاده، وكم من قرارٍ وقرار عليه أن يسعى لتحقيقه بدون كلل ، وأن يضع الأمل نصب عينيه لكي يصل إلى الهدف المنشود  وهو السيادة والحريّة والديمقراطية والاستقرار والأمن لهذا الوطن الجريح  ، الذي حان الوقت لنعمل معاً على التئام جرحه ووقف ذرف دماء شهدائنا الأبرار .

وفي الختام دعاءٌ وصلاة لروح الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسائر الشّهداء الأبرار، ودوماً أملي بلقاءٍ قريبٍ إن شاء الله مع الأحبّة على تراب لبنان الغالي.